اللغة
كائن حيّ خاضع لناموس الارتقاء، ولا بدّ من توالي الدثور والتولّد فيها، أراد
أصحابها ذلك أو لم يريدوا. تتوّلد ألفاظ جديدة وتندثر ألفاظ قديمة على مقتضيات
الأحوال.
وقد
آن لنا أن نخلِّص أقلامنا من قيود الجاهلية ونخرجها من سجن البداوة، وإلا فلا
نستطيع البقاء في هذا الوسط الجديد. فلا ينبغي لنا احتقار كل لفظ لم ينطق به أهل
البادية منذ بضعة عشر قرنًا، لأن لغة البراري والخيام لا تصلح للمدن.
على أننا لا نقول في هذا الانطلاق نحو ما يقوله
الإفرنج في لغاتهم، لأن شأننا في لغتنا غير شئونهم في لغاتهم، فلا بدّ لنا مع هذا
الإنطلاق من الرجوع إلى القواعد العامة والروابط الأساسية فلا نفسد اللغة بألفاظ
العامة وتراكيبهم، ولا نكثر من الدخيل حتى تصير لغتنا مثل اللغة التركية
العثمانية، التي أصبحت لكثرة ما أدخلوه فيها من الألفاظ العربية والفارسية
والإفرنجية لا مثيل لها في العالم إلا اللغة الهندستانية (الأوردية)، التي يكتب
بها الهنود جرائدهم وكتبهم.
أما اللغة العربية فلا بد من المحافظة على
سلامتها والاهتمام ببلاغتها وفصاحتها، وخاصة بعد أن أخذت تنهض إلى أرقى ما بلغت
إليه في إبَّان شبابها، فلا يُستحسَن الاستكثار فيها من الدخيل والمولَّد وإنما
يُؤخَذ منهما بقدر الحاجة.
جرجي زيدان، اللغة
العربية كائن حيّ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق