لنرجع للمباحث التي أريد طرحها لتدقيق
المطالعين، وهي:
1- مبحث ما هي الأمَّة؛ أي الشَّعب:
هل هي ركامُ مخلوقاتٍ نامية، أو جمعية،
عبيدٌ لمالكٍ متغلِّب، وظيفتهم الطاعة والانقياد ولو كُرهاً؟ أم هي جمعٌ بينهم
روابط دين أو جنس أو لغة، ووطن، وحقوق مشتركة، وجامعة سياسية اختيارية، لكلِّ فردٍ
حقُّ إشهار رأيه فيها توفيقاً للقاعدة الإسلامية التي هي أسمى وأبلغ قاعدة سياسية،
وهي: "كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيِّته".
2- مبحث ما هي الحكومة:
هل هي سلطة امتلاك فرد لجمع، يتصرَّف في
رقابهم، ويتمتَّع بأعمالهم ويفعل بإرادته ما يشاء؟ أم هي وكالة تُقام بإرادة
الأمَّة لأجل إدارة شؤونها المشتركة العمومية؟.
3- مبحث ما هي الحقوق العمومية:
هل هي آحاد الملوك، ولكنها تُضاف للأمم
مجازاً؟ أم بالعكس، هي حقوق جموع الأمم، وتُضاف للملوك مجازاً، ولهم عليها ولاية
الأمانة والنّظارة على مثل الأراضي والمعادن، والأنهر والسواحل، والقلاع والمعابد،
والأساطيل والمعدات، وولاية الحدود، والحراسة على مثل الأمن العام، والعدل
والنظام، وحفظ وصيانة الدين والآداب، والقوانين والمعاهدات والاتِّجار، إلى غير
ذلك مما يحقُّ لكلِّ فردٍ من الأمَّة أن يتمتع به وأنْ يطمئن عليه؟
4- مبحث التساوي في الحقوق:
هل للحكومة التصّرف في الحقوق العامة
المادية والأدبية كما تشاء بذلاً وحرماناً؟ أم تكون الحقوق محفوظة للجميع على
التساوي والشيوع، وتكون المغانم والمغارم العمومية موزَّعة على الفصائل والبلدان
والصنوف والأديان بنسبةٍ عادلة، ويكون الأفراد متساوين في حقِّ الاستنصاف؟
5- مبحث الحقوق الشخصية:
هل الحكومة تملك السيطرة على الأعمال
والأفكار؟ أم أفراد الأمة أحرار في الفكر مطلقاً، وفي الفعل ما لم يخالف القانون
الاجتماعي؛ لأنَّهم أدرى بمنافعهم الشخصية، والحكومة لا تتداخل إلا في الشؤون
العمومية؟
6- مبحث نوعية الحكومة:
هل الأصلح هي الملكية المطلقة من كلِّ
زمام؟ أم الملكية المقيَّدة؟ وما هي القيود؟ أم الرئاسة الانتخابية الدائمة مع
الحياة، أو المؤقَّتة إلى أجل؟ وهل تُنال الحاكمية بالوراثة، أو العهد، أو الغلبة؟
وهل يكون ذلك كما تشاء الصُّدفة، أم مع وجود شرائط الكفاءة، وما هي تلك الشرائط؟
وكيف يصير تحقيق وجودها؟ وكيف يراقب استمرارها؟ وكيف تستمرُّ المراقبة عليها؟.
7- مبحث ما هي وظائف الحكومة:
هل هي إدارة شؤون الأمة حسب الرأي
والاجتهاد؟ أم تكون مقيَّدة بقانون موافق لرغائب الأمة وإنْ خالف الأصلح؟ وإذا
اختلفت الحكومة مع الأمَّة في اعتبار الصالح والمضرّ، فهل على الحكومة أن تعتزل
الوظيفة؟
8- مبحث حقوق الحاكمية:
هل للحكومة أن تخصِّص بنفسها لنفسها ما
تشاء من مراتب العظمة، ورواتب المال، وتحابي من تريد بما تشاء من حقوق الأمة
وأموالها؟ أم يكون التَّصرف في ذلك كلِّه إعطاءً وتحديداً ومنعاً منوطاً بالأمة؟
9- مبحث طاعة الأمة للحكومة:
هل الإرادة للأمَّة، وعلى الحكومة العمل؟
أم للإرادة للحكومة وعلى الأمَّة الطاعة؟ وهل للحكومة تكليف الأمَّة طاعةً عمياء
بلا فهم ولا اقتناع؟ أم عليها الاعتناء بوسائل التفهيم والإذعان لتتأتَّى الطاعة
بإخلاص وأمانة؟
10- مبحث توزيع التكليفات:
هل يكون وضع الضرائب مفوَّضاً لرأي
الحكومة؟ أم الأمَّة تقرِّر النفقات اللازمة وتعيِّن موارد المال، وتُرتِّب طرائق
جبايته وحفظه؟.
11- مبحث إعداد المَنَعة:
هل يكون إعداد القوة بالتجنيد والتسليح
استعداداً للدفاع مفوضاً لإرادة الحكومة إهمالاً، أو إقلالاً، أو إكثاراً، أو
استعمالاً على قهر الأمَّة؟ أم يلزم أن يكون ذلك برأي الأمَّة وتحت أمرها؛ بحيث
تكون القوة منفِّذة رغبة الأمة لا رغبة الحكومة؟
12- مبحث المراقبة على الحكومة:
هل تكون الحكومة لا تُسأل عما تفعل؟ أم
يكون للأمة حقُّ السيطرة عليها؛ لأنَّ الشأن شأنها، فلها أن تُنبت عنها وكلاء لهم
حقُّ الاطِّلاع على كلِّ شيء، وتوجيه المسؤولية على أيٍّ كان، ويكون أهم وظائف
النواب حفظ الحقوق الأساسية المقررة للأمة على الحكومة؟
13- مبحث حفظ الأمن العام:
هل يكون الشخص مكلَّفاً بحراسة نفسه
ومتعلَّقاته؟ أم تكون الحكومة مكلَّفة بحراسته مقيماً ومسافراً حتى من بعض طوارئ
الطبيعة بالحيلولة لا بالمجازاة والتعويض؟
14- مبحث حفظ السُّلطة في القانون:
هل يكون للحكومة إيقاع عمل إكراهي على
الأفراد برأيها؛ أي بدون الوسائط القانونية؟ أم تكون السُّلطة منحصرة في القانون،
إلا في ظروف مخصوصة ومؤقَّتة؟
15- مبحث تأمين العدالة القضائية:
هل يكون العدل ما تراه الحكومة؟ أم ما
يراه القضاة المصون وجدانهم من كلِّ مؤثِّر غير الشرع والحق، ومن كلِّ ضغطٍ حتى
ضغط الرأي العام؟
16- مبحث حفظ الدين والآداب:
هل يكون للحكومة –ولو القضائية- سلطة
وسيطرة على العقائد والضمائر؟ أم تقتصر وظيفتها في حفظ الجامعات الكبرى كالدين،
والجنسية، واللغة، والعادات، والآداب العمومية على استعمال الحكمة ما أغنت
الزواجر، ولا تتداخل الحكومة في أمر الدين ما لم تُنتَهَك حرمته؟ وهل السياسة
الإسلامية سياسة دينية؟ أم كان ذلك في مبدأ ظهور الإسلام، كالإدارة العرفية عقب
الفتح؟
17- مبحث تعيين الأعمال بالقوانين:
هل يكون في الحكومة –من الحاكم إلى
البوليس- من يُطلَق له عنان التَّصرف برأيه وخبرته؟ أم يلزم تعيين الوظائف،
كليّاتها وجزئياتها، بقوانين صريحة واضحة، لا تسوغ مخالفتها ولو لمصلحة مهمة، إلا
في حالات الخطر الكبير؟
18- مبحث كيف توضع القوانين:
هل يكون وضعها منوطاً برأي الحاكم الأكبر،
أو رأي جماعة ينتخبهم لذلك؟ أم يضع القوانين جمعٌ منتخبٌ من قبل الكافّة ليكونوا
عارفين حتماً بحاجات قومهم وما يُلائم طبائعهم ومواقعهم وصوالحهم، ويكون حكمه
عاماً أو مختلفاً على حسب تخالف العناصر والطبائع وتغير الموجبات والأزمان؟
19- مبحث ما هو القانون وقوَّته:
هل القانون هو أحكام يحتجُّ بها القوي على
الضعيف؟ أم هو أحكام منتزعة من روابط الناس بعضهم ببعض، وملاحظٌ فيها طبائع أكثرية
الأفراد، ومن نصوص خالية من الإبهام والتعقيد وحكمها شامل كلّ الطبقات، ولها سلطان
نافذ قاهر مصون من مؤثِّرات الأغراض، والشفاعة، والشفقة، وبذلك يكون القانون هو
القانون الطبيعي للأمَّة فيكون محترماً عند الكافّة، مضمون الحماية من قِبَل أفراد
الأمة؟
20- مبحث توزيع الأعمال والوظائف:
هل يكون الحظُّ في ذلك مخصوصاً بأقارب الحاكم
وعشيرته ومقرَّبيه؟ أم توزَّع كتوزيع الحقوق العامَّة على كافَّة القبائل
والفصائل، ولو مناوبة مع ملاحظات الأهمية والعدد؛ بحيث يكون رجال الحكومة أنموذجاً
من الأمَّة، أو هم الأمَّة مصغَّرة، وعلى الحكومة إيجاد الكفاءة والأعداد ولو
بالتعليم الإجباري؟
21- مبحث التفريق بين السُّلطات السياسية
والدينية والتعليم:
هل يُجمع بين سلطتين أو ثلاث في شخصٍ
واحد؟ أم تُخصَّص كلُّ وظيفة من السياسة والدين والتعليم بمن يقوم بإتقان، ولا
إتقان إلا بالاختصاص، وفي الاختصاص، كما جاء في الحكمة القرآنية: )ما
جعل اللهُ لرجلٍ قلبين في جوفه(،
ولذلك لا يجوز الجمع منعاً لاستفحال السلطة.
22- مبحث الترقّي في العلوم والمعارف:
هل يُترَك للحكومة صلاحية الضَّغط على
العقول كي يقوى نفوذ الأمَّة عليها؟ أم تُحمل على توسيع المعارف بجعل التعليم
الابتدائي عمومياً بالتشويق والإجبار، وبجعل الكمالي سهلاً للمتناول، وجعل التعليم
والتعلُّم حرّاً مطلقاً؟
23- مبحث التوسُّع في الزراعة والصنائع
والتجارة:
هل يُترك ذلك للنشاط المفقود في الأمَّة؟
أم تلزم الحكومة بالاجتهاد في تسهيل مضاهاة الأمم السَّائرة، ولا سيما المزاحمة
والمجاورة، كيلا تهلك الأمَّة بالحاجة لغيرها أو تضعف بالفقر؟
24- مبحث السَّعي في العمران:
هل يُترك ذلك لإهمال الحكومة المميت
لعزَّة نفس السُّكان، أو لانهماكها فيه إسرافاً وتبذيراً؟ أم تحمل على اتِّباع
الاعتدال المتناسب مع الثورة العمومية؟
25- مبحث السَّعي في رفع الاستبداد:
هل يُنتظر ذلك من الحكومة ذاتها؟ أم نوال
الحرية ورفع الاستبداد رفعاً لا يترك مجالاً لعودته، من وظيفة عقَلاء الأمة
وسراتها؟
هذه خمسة وعشرون مبحثاً، كلٌّ منها يحتاج
إلى تدقيقٍ عميق، وتفصيلٍ طويل، وتطبيق على كلِّ الأحوال والمقتضيات الخصوصية. وقد
ذكرتُ هذه المباحث تذكرةً للكُتَّاب ذوي الألباب وتنشيطاً للنُّجباء على الخوض
فيها بترتيب، اتِّباعاً لحكمة إتيان البيوت من أبوابها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق