الاثنين، 22 مارس 2021

أوربيو العصور الوسطى في الكتابات العربية

1.    منزلة الفارس

والإفرنج  ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلّا للفرسان، ولا عندهم ناس إلّا الفرسان، فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء والحكمة. وقد حاكمتهم مرّة على قطعان غنم أخذها صاحب بانياس ، وأنا إذّاكَ بدمشق، فقلتُ للملك فلك بن فُلك  : هذا تعدّى علينا وأخذ دوابنا "  فقال الملك لستّة أو سبعة من الفرسان: " قوموا اعملوا له حكماً". فخرجوا من مجلسه واعتزلوا وتشاوروا حتى اتّفق رأيهم كلّهم على شيء واحد وعادوا إلى مجلس الملك. فقالوا:" قد حكمنا أن صاحب بانياس عليه غرامة ما أتلف من غنمهم".

وهذا الحكم بعد أن تعقده الفرسان ما يقدر الملك ولا أحد من مقدّمي الإفرنج أن يغيّره ولا ينقصه، فالفارس أمر عظيم عندهم. ولقد قال لي الملك:" يا فلان وحقّ ديني لقد فرحتُ البارحة فرحاً عظيماً، وما كنتُ أعتقد أنك فارس " قلتُ: "يا مولاي أنا فارس من جنسي وقومي."

2.    طبّ الافرنج

حدّثنا صاحب طبرية  وأنا معه في الطريق فقال:" كان عندنا في بلادنا فارس كبير، فمرض وأشرف على الموت، فجئنا إلى قِسّ من قُسوسنا. قلنا: تجيء معنا حتى تبصر الفارس فلاناً؟ قال نعم. فمشى معنا ونحن نتحقّق أنّه إذا حطّ يده عليه عوفي. فلما رآه قال: أعطوني شمعاً. فأحضرنا له قليل شمع، فليّنه وعمله مثل عقد الإصبع، وعمل كل واحدة في جانب أنفه، فمات الفارس. فقلنا له: قد مات! قال: نعم كان يتعذّب، سددتُ أنفه حتّى يموت ويستريح."

3.    صداقة حقيقية

ومن الإفرنج قوم قد تبلّدوا   وعاشروا المسلمين فَهُمْ أصلح من القريب العهد ببلادهم... فمن ذلك أنني أنفذت صاحباً إلى أنطاكية   في شغل، وكان بها الرئيس تادرس بن الصفي  . وبيني وبينه صداقة. وهو نافذ الحكم. فقال يوماً: "قد دعاني صديق لي من الإفرنج، تجيء معي ترى زيّهم" فمضيتُ معه فجئنا إلى دار فارس من الفرسان الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج. فأحضر مائدة حسنة وطعاماً في غاية النظافة والجودة، ورآني متوقّفاً عن الأكل فقال:" كُلْ طيّب النفس! فأنا ما آكل من طعام الإفرنج، ولي طبّاخات مصريات. لا آكل إلاّ من طبخهن، ولا أدخل داري لحم خنزير."

                                                       مقتطفات من "كتاب الاعتبار" لأسامة بن منقذ  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق